الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية القاضي أحمد صواب في حوار خاص: لا أستغرب صياغة النهضة والنداء لهذا القانون..ففاقد الشيء لا يعطيه

نشر في  20 ماي 2015  (11:20)

مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاة ليس قرآنا حتى يستحيل تنقيحه إن استوجب الأمر ذلك

صادق مجلس النواب بحر الأسبوع الفارط على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاة الذي أثار حفيظة العديد من القضاة والحقوقيين على غرار جمعية القضاة التونسيين التي اعتبرت هذا القانون خرقا واضحا للدستور وانتهاكا فاضحا للاستقلالية القضائية التي يراد تكبيلها من قبل السلطة التنفيذية..
وبسبب ما أثاره هذا المشروع من ردود أفعال متناقضة وصلت حدّ قرار القضاة الإضراب عن العمل وتعطيل المصالح العامة.. ارتأت أخبار الجمهورية إجراء هذا الحوار الصحفي مع القاضي المعروف بالمحكمة الإدارية السيد أحمد صواب وذلك قصد سبر أغوار هذا المشروع وفك شفرته التي استعصى على العديد حلّها.. وهو من مواليد 1957، ترعرع مراوحة بين المدينة العتيقة وحي الزهور حيث درس ثانويته بمعهد ابن شرف الكائن بالملاسين- وهو ما يفخر به دائما- .
تحصّل على العديد من الشهادات العلمية على غرار الإجازة في القانون العام بتونس والمرحلة الثالثة في باريس ومثلها بالمدرسة القومية للإدارة.. شغل صواب عديد الخطط منها ضابط احتياط بالأكاديمية العسكرية وعمل بوزارة الفلاحة لمدة 3 سنوات إضافة إلى شغله بالمحكمة الإدارية .. ولا غلوّ في القول إن الكفاءة والخبرة هما مسار قاضينا صواب الذي تتابعون حوارنا معه كالآتي..

- تمت المصادقة على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء والذي أثار تجاذبات وجدلا كبيرين.. فما هو موقفك منه؟
بعيدا عن كل الشعارات الفضفاضة والواهية، أؤكد أن هذا المشروع يتضمن أغلب ما يريده القاضي، وهو في مجمله متوازن ويحتوي على ضمانات كافية لاستقلالية القضاة وقد رأيت أن فيه الصالح أكثر من الطالح رغم احتوائه لبعض النقائص والمساوئ ، ولي من التجربة القضائية ما يخوّل لي تأكيد ما قلته.. وبكل صراحة أنا أتحدى «فنيا» كل شخص يقول ان هذا المشروع يحتوي ولو على فصل واحد واضح يعارض الدستور أو يخرقه، كما أنّ معظم التوازنات والمطالب الكبرى للقضاة يتضمنها نص المشروع المذكور. وكل خلاف لذلك هو مجرد رمي للشعارات وتضاد مع الواقع البيّن.. كما أنّ هذا القانون ليس بقرآن حتى لا ننقحه إذا وجدنا أنه لا يتماشى مع ضمانات السلطة القضائية -بعد التجربة والتطبيق طبعا-، وبالنسبة لي أكبر ضامن للقانون هو القاضي..
- لو تقدم لنا النقاط الإيجابية التي تضمنّها هذا المشروع بعد دراستك اياه؟
أستطيع القول إن لبّ وجوهر القضاء موجود في هذا المشروع.. هناك ركيزتان استثنائيتان وهامتان تم التنصيص عليهما فيه، أولهما أنّ كل المسار المهني للقضاة يقرّره المجلس الأعلى وليس السلطة التنفيذية أو القضائية كالنقلة والترقيه والتسمية والحصانة والاستقالة و الإلحاق والتقاعد المبكر وعدم المباشرة والإعفاء والتأديب بجميع عقوباته.. أما الركيزة الثانية فهي التشديد على عدم تعرّض القاضي إلى أي نوع من التعليمات أو التأثيرات من قبل السلطة التنفيذية أو أطراف سياسية أو لوبيات مهما كان مأتاها..
هذا وقد احتوى المشروع على عديد التحسينات من الجلسة العامة على مشروع لجنة التشريع العام كالتالي:
 1- نصّ الفصل الأول منه على مفهوم السلطة القضائية.
2- نواب الرؤساء الأربعة كانوا سابقا من غير القضاة.. أما اليوم فقد فتح السباق للجميع وهو حلّ وسط بين مطالب القضاة ومطالب لجنة التشريع العام، ومن يجد في نفسه القدرة والكفاءة يقدم ترشحه، فضلا عن أنّ أغلبية الثلثين لدى القضاة في التركيبة.
 3- كانت المصادقة على النظام الداخلي في السابق تتم بثلاثة أرباع، الآن أصبحت بأغلبية الثلثين وهي نفس أغلبية تنقيح الدستور.
4- إبداء الرأي في المناظرات وتكوين القضاة داخل المعهد الأعلى للقضاء
 5- لا تجوز نقلة القاضي دون رضاه ولو في إطار ترقية
 6- تحال الشكايات إلى المجلس الأعلى للقضاء وإلى جانب الوزير
 7- عضوية القاضي العسكري مؤجلة إلى حين إصدار قانون أساسي يخصّ القضاء العسكري.
من ناحية أخرى لا أرى دافعا حقيقيا لخوف القضاة على استقلاليتهم وذلك لوجود عديد الضمانات الكفيلة بتحقيق الاستقلالية كالإعلام والدستور والإطار الديمقراطي والمجلس الأعلى إلخ.. لكن الأهم من ذلك هو أنّ» استقلالية القاضي هي عقيدة وضعيته».
-لو تحدّثنا كذلك عن نقائص مشروع المجلس الأعلى للقضاء التي لاحظتها؟
 لاحظت بأنّ نسبة تمثيل القضاة المتقدمين في السن أكثر بكثير من نسبة تمثيل القضاة الشبان ففي القضاء الإداري مثلا نجد 7 قضاة «كبار» و3 شبان، والحال أن الثورة التي قامت هي بالأساس ثورة شبابية.. كما لا ننسى أنّ أغلبية القضاة المتقدمين في السن -وأنا منهم- كانوا مساندين لنظام الفساد ولو بالصمت والإمساك وأغلبهم يريد التموقع ولا مكانة اعتبارية لهم.
ومن مساوئه الأخرى أنّه تمّ التنصيص في الفصل 55 على إرجاء النظر في تحديد صور الإعفاء.. لكن من أكبر المعضلات التي اعترضتني خرق الفصل 60 بصفة غير مباشرة للدستور لأنّ هذا الفصل يسمح وسيمكّن المتفقد العام من حفظ ملف التتبع، كما يجوز له التعهّد تلقائيا وفتح ملف ضدّ أيّ قاض ولو دون شكوى من أيّ متضرّر. وأنا أرفض هذا التعهّد التلقائي لأنّه سيجعل منه سلطة بذاتها وأداة ضغط على القضاة وسند المتفقد العام في ذلك هو السلطة التقديرية.. لذلك فأنا أقترح التعهّد إثر الشكاوى..
كما أنّ هنالك مسألة إدخال عدل منفذ على الهيئة العليا للقضاء وهنا أطرح سؤالا: لماذا لم يتمّ إدراج أصناف أخرى من مساعدي القضاة كعدول الإشهاد والمصفّين والمؤتمنين والخبراء  وكتبة المحاكم؟ لماذا تم اختيار العدل المنفذ دون سواه؟ ؟
-  ما هو تفسيرك إذن لمعارضة جمعية القضاة التونسيين الشديدة لهذا القانون في ظلّ الإيجابيات التي تضمنّها  وكنت قد تحدثت عنها؟
هي مجرّد شعارات فضفاضة تم إطلاقها، وأطلب من كل من يعارض هذا القانون تقديم الدلائل والمؤيدات لذلك.. وأعيد وأقول إني أتحدى كل من يزعم بأن هذا المشروع يعد خرقا واضحا للدستور .. وحقيقة لم أجد مبررا للإضراب الذي قام مؤخرا به القضاة واستنكرته ، فهل يعقل بأن تعمد السلطة القضائية إلى تنفيذ إضراب لا لشيء سوى لأنّ القانون لا يروق لهم؟
في سياق متصّل وبالنسبة لي كقاض يتنفّس القانون العام والقضاء لمدة 40 سنة أشدد على وجوب أن توجد سلطة رقابية على السلطة القضائية، فالقضاء ليس نقيا ومصلحا بما فيه الكفاية ليتحمل هذه المسؤولية الكاملة. كما أني أتساءل أين هي قائمة القضاة الفاسدين التي أعدتها الجمعية في صائفة 2011 وفات عددها المائتين؟ أين اختفت؟
وأذكّر بأني قد خضت بوجه مكشوف حرب الدستور وتكبدت عناء ذلك تهديدات طالت حتّى ابني الذي تعرّض إلى التعنيف والتهديد من قبل سلفي وذلك في أكتوبر 2013 ورغم ذلك لم أتراجع أو أتخاذل..
لقد باتت حمّى التموقع عبر الشعارات الواهية وغير الفعلية تنتابهم..
- هل مشروع المجلس الأعلى للقضاء يقطع بنظرك مع هيمنة السلطة السياسية والتنفيذية على السلطة القضائية؟
القاضي في تونس له صلاحيات أكثر من الكافية فهو الذي يراقب السلطتين التنفيذية والتشريعية في العباد والأعمال. كما أنّ كل أعمال هاتين السلطتين تحت رقابته. إذن لا وجود لأيّ سلطة يمكن لها شلّ عمل القاضي ولا وجود لأي حجّة علمية على ذلك.
- أتعتبر أنّ القضاء التونسي منذ الاستقلال وحتى الآن كان ولا يزال تحت تأثير السلطة السياسية؟
نعم، كان كذلك في الحقبتين البورقيبية والتجمعية.. لكن بعد الثورة أُطلقت يدُ القضاء وأصبح سيّد نفسه.. لكن للأسف تأزّم الوضع تدريجيا على شاكلة أسوأ ممّا كانت عليه قبل الثورة.. فوجدنا أننا لم نفعل شيئا بالقضاء المستقل فقد اختفت قضايا الفساد ودفنت.. فأين هي قضايا الفساد في لجنة عبد الفتاح عمر؟ وأين بات ملف قضية الإعلامي محمد الفهري شلبي؟..
المشكل اليوم أنّ الأوضاع تأزمت وطفت على السطح حرب خفية وغير معلنة بين القضاة والمحامين، وقد ترفّعت عنها لإدراكي بأن مصلحة تونس أرفع وأسمى من كل الأشياء الزائفة..
- برأيك، أصحيح ما يقال عن أن مشروع هذا القانون حبكته حركتا نداء تونس والنهضة؟
الشيء من مأتاه لا يستغرب.. لا يمكن أبدا أن ننتظر من حزبين يمينيين أن يصوغا قانونا ثوريا وتقدّميا، ففاقد الشيء لا يعطيه.
- ما هو تعليقك بخصوص «التخوفات» المتعلقة بتأسيس جمهورية القضاة التي ستصبح السلطة الفاعلة في البلاد؟
 كل الخوف من تغوّل القضاة والسلطة القضائية عبر ظهور واستفحال نسبة القضاة الفاسدين والمتسلّطين في البلاد، هذا هو الخوف الأكبر ..
- تعليقك حول إصرار مجلس نواب الشعب على المصادقة على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء رغم علمهم بالمعارضة الشديدة له من قبل أغلب القضاة والجمعيات الحقوقية؟
هو دليل على نقص في «ملكة» الإنصات، لكن يجدر التذكير بأنّ أعضاء المجلس نظّموا لجنة توافقات للتباحث والتشاور لتتحقق الايجابيات التي ذكرتها في البداية. كما أن المحامين لا يجوز لهم المطالبة بإصدار القانون على مقاسهم والأمر كذلك بالنسبة للقضاة والحقوقيون.. فإذا لم يتعاون الجميع لن نحصد إلا القوانين الفاشية والقطاعية..
 وهو كذلك نتيجة للثورة التي افتقدت للعقلانية والنسبية فأصبحنا وكأننا وسط فضاء تجاري كبير «وكل واحد عامل حانوتو وحدو يريد احتكار التجارة والتبادل لنفسه فقط».
- بصراحة، هل مارست السلطة التنفيذية عبر التاريخ نوعا من الضغوطات على المحكمة الإدارية؟
 المحكمة الإدارية ناصعة التاريخ سواء في عهد بورقيبة أو في عهد بن علي وهي التي أنتجت المحامي المناضل مختار الطريفي. شخصيا لم أتعرض لأي نوع من الضغوطات أو التأثيرات، لكن الأرجح بان هناك بعض القضاة الذين تم تسليط نوع من الضغوطات عليهم. أمّا بعد الثورة فإنّ أطرافا سياسية والتحالفات والعلاقات العائلية أضرت كثيرا بالقضاء الإداري فأصبح البعض يشكّك في حيادية بعض الأحكام الإدارية.
- هل أنت متفائل بمستقبل السلطة القضائية في تونس؟
أنا جدّ متفائل بالقضاة الشباب.. أمّا شيوخها -وأنا منهم- فلست متفائلا بهم طالما لم يتقاعدوا ، لقد انغرست فينا ثقافة الطاعة لذلك لن يتحسن وضع القضاء إلاّ بقدوم جيل جديد يحمل في طياته ثقافة جديدة..
- يقال إن استقالتك من نائب رئيس المحكمة الإدارية كان نتيجة عدم تعيينك على رأس المحكمة، فما هو تعليقك؟
أنا مجبر لتبني سياسة «سدّ الذرائع».. لقد استقلت وأعلنت عدم ترشحي لهذا المنصب إلى حين التقاعد التأطيري وشدّدت وأكّدت ذلك وبقي لي بذلك حلّ وحيد وأخير ألا وهو «الانتحار» حتى يصدّقوا كلامي.. أقول ان الرجل بآثاره فلو كنت مهتما وشغوفا بالمناصب لخيّرت المكوث في ديوان وزير الفلاحة ما بين سنتي 1989 و1990، وحافظت بذلك على السيارة والبنزين والسائق والبهرج.
لكني خيرت القضاء على المناصب وأنا في عزّ شبابي وطموحي وذلك لشغفي بالقضاء والحريّة ولشعوري بأن القضاء الإداري حرّ.. والحمد لله أنا «نظيف عفيف» وتبنيت نظرية «القاضي العضوي» بمفهوم «أعزف منفردا في سرب نفسي»، وقد كنت في معركة الدستور وحيدا .. واليوم روح الانتماء السلكي لا تعنيني ولا أمتلكها ولا أخشى بذلك لومة لائم وكل ما يهمني هو تونس والديمقراطية.
- رسالة منك إلى القضاة التونسيين؟
 أقول لهم انطلقوا من رسالة سيدنا عمر ورسالة ابن خلدون وانسوا انتماءكم القطاعي وأعيدوا قراءة الدستور، وفكروا في مصلحة تونس وأبنائكم وفي نسبية أعمال وأحكام القضاة، إذ لو كانت مثالية لما ابتدعنا الاستئناف والتعقيب وإعادة النظر واعتراض الغير وإصلاح الأخطاء المادية في الأحكام.. أقول لهم أيضا « احذروا القضاة الذين يريدون التمسّك بالمقاليد والمناصب إلى ما لا نهاية له باسم الشرعية التاريخية وتذكّروا أنّ لكل شرعية حياة ومماتا.. احذروا إرادتهم في التموقع على حساب القضاة والقضاء، وقلتها وأُعيدها: ما هو وزنهم لو تركوا هياكلهم؟..
- ماذا يرغب القاضي أحمد صواب قوله في الختام؟
أريد القول إنّي «نموت على تونس ومستعد باش نموت على تونس وما نموت كان في تونس..».. أريد القول أن تونس هي بلد استثنائي تمتلك من الركائز ما لا تمتلكه دول الانتقال الديمقراطي الأخرى، على غرار مجتمعها المدني والاتحاد العام التونسي للشغل والمرأة وإعلام متحرّر ..

حاورته: منارة تليجاني